الکلمة التفصیلیة للأمین العام للجماعة في اجتماع المجلس المرکزي
الدکتور عبد الرحمن بيراني في الجلسة العاشرة للمجلس المركزي: قضية محبة الله وماهيتها وأسبابها من القضايا الجوهرية في النظرة التوحيدية للعالم؛ لأن محبة الله نتيجة المعرفة الدقيقة الكافية بخالق الکون وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وفيما يلي تفاصيل كلمة الأمين العام في الاجتماع العاشر للمجلس المركزي:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ
اسمحوا لي أن أبدأ كلمتي بإلهام من آية 165 من سورة البقرة المباركة؛
يقول الله تعالى:
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهاندادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ» سپس در ادامه مىفرمايد: «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه.»
إن قضیة محبة الله وطبيعتها وأسبابها من القضايا الجوهرية في النظرة التوحيدية للعالم؛ لأن محبة الله نتيجة المعرفة الدقيقة الكافية بخالق الکون وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وعلى ضوء معرفة الإنسان وفهمه لأسماء الله وصفاته وأفعاله، وإدراك كماله وجماله وجلاله، تتأصل عظمة الخالق العليم الحكيم ولطفه ورحمته ومحبته وتعظيمه في قلوب عباده، وتدفعهم إلى الخضوع والطاعة.
لأن الإيمان بحد ذاته یتمثل في الفهم الصحيح والجديد للجمال والإناقة والكمال في الکون، وكذلك الانسجام والعزیمة، ويرتكز على المبدأ العظيم لوحدة الألوهية والسيادة.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الله تعالى يقدم في الآية السابقة (164) من نفس هذه السورة ثمانية براهين جلیة من الآفاق لإثبات وجود الله (الخالق الوحيد) وحق سيادته على الكون لذوي الأبصار والعقول، وفي بيان معجز يقدم مهرجاناً للخلق لعباده حيث يقول:
«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ﴿۱۶۴﴾
إن التأمل والتفكر في خلق السماوات والأرض، وكل هذا النظام والتناسق والذكاء والأسرار في آیات الآفاق، واختلاف الليل والنهار، وتعاقب النور والظلام، وتعاقب الحياة وحركتها، والصراخ والهدير، والسكون والهدوء والتوقف، ونسمات الرياح المسخرة والمحولة من جهة إلى أخرى، وعظمة المحيطات، وحركة السفن في البحار، وانتقال البضائع والركاب، ونهاية الموت والحياة وبعث الأرض - في كل هذه آيات ودلائل واضحة وجلية لمن تأمل آیات الآفاق والأنفس، وأولى اهتمامه واعتباره لهداية القرآن الكريم وإلهامه. لأن الإنسان خلق الله، والقرآن هو آخر ما سيبقى للإنسان على الأرض إلى يوم القيامة، وأهم خصائصه، كما قال الله تعالى: "إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا" ﴿الإسراء: ٩﴾
إن هذا القرآن يهدي الناس إلى الطريق الذي هو أمتن الطرق وأبقیها.
أنتم أيها السادة الکرام تعلمون أن الحب غالباً ما يشكل الأساس والقاعدة لكل عمل وحركة. ولذلك قال العلماء: إن المحبة تعتبر من أهم العوامل والمحركات للأهواء والمشاعر والأفعال. لأن الله تعالى خلق الإنسان وفطره على حب الخير وکراهیة الشر. لذلك فإن الحب هو العامل الرئيسي والمحرك الأساسي للمشاعر الداخلية والرغبة في القيام بعمل معين أو اتخاذ موقف معين.
ولكن الخصائص والصفات التي تدل على محبة العبد لربه حسب القرآن الكريم هي:
أ) التقوی: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿التوبةَ ۴﴾
ب) البر والإحسان: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿۱۴۸آل عمران ﴾
ت) الصبر والأناة: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴿آل عمران ۱۴۶﴾
ث) التوبة والإنابة إلی الله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴿البقرة ۲۲۲﴾
ج) التوکل علی الله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴿آل عمران ۱۵۹﴾
چ) العدالة والالتزام بالقسط: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿المائدة ۴۲﴾
ح) الإرادة والاستعداد للجهاد في سبيل الله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴿الصف ۴﴾
ولكي يتضح لنا طبيعة محبة الله لعباده بشكل أفضل أرى من الضروري أن ألفت انتباهكم إلى آراء ووجهات نظر بعض الشيوخ والأئمة:
یقول الإمام الشوکانی صاحب کتب نیل الأوطار وفتح القدیر وإرشاد الفحول: وَصَفَ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَشْمَلُ عَلَى غَايَةِ الْمَدْحِ وَنِهَايَةِ الْبِنَاءِ مِنْ كَوْنِهِمْ، يُحِبُّونَ اللَّهَ وَيُحِبُّهُمْ.
العلامه الآلوسی، صاحب روح المعاني: هِيَ مَحَبَّةٌ تَلِيقُ بِشَأْنِهِ تَعَالَى عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
یقول العلامه قاسمی جمالالدین صاحب تفسیر القاسمي وحوالي 100 عمل آخر ، عن محبّة الله لعباده: إِنَّهَا ثَابِتَةٌ لَهُ بِلاَ كَيْفٍ وَلَا تَأْوِيلٍ وَلَا مُشَارَكَةٍ لِلْمَخْلُوقِ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهَا.
یقول الشیخ محمد رشید رضا، صاحب الوحي المحمدي وتفسیر المنار: فَمُحَبَّتُهُ تَعَالَى لِمُسْتَحِقِّيها مِنْ عِبَادِهِ شَأْنٌ مِنْ شُؤُونِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ لَا نَبْحَثُ عَنْ كُنْهِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، وَحُسْنُ الجَزَاءِ وَالمَغْفِرَةِ وَالإثَابَةِ قَدْ تَكُونُ مِنْ آثَارِهَا.
یقول الشیخ أحمد بن مصطفی المراغي صاحب تفسیر المراغي: وَحُبُّهُ تَعَالَى وَبُغْضُهُ شَأْنٌ مِنْ شُؤُونِهِ لَا نَبْحَثُ عَنْ كُنْهِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ.
یقول الإمام البیضاوی عبدالله بن محمد علی الشیرازي القاضي والمفسر وصاحب أنوار التنزيل وأسرار التأویل وطبقات المفسرین وطبقات الشافعیة: مَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعِبَادِ: إِرَادَةُ الْهُدَى وَالتَّوْفِيقِ فِي الدُّنْيَا، وَحُسْنُ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ.
یقول الإمام محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري الخوارزمي العالم النحوي والمفسر وصاحب تفسیر الكشاف وأساس البلاغة: محبة الله لِعِبَادِهِ أَنْ يُثِيبَهُمْ أَحْسَنَ الثَّوَابِ عَلَى طَاعَتِهِمْ، وَيَعِظَهُمْ، وَيَثْنِيَ عَلَيْهِمْ، وَيَرْضَى عَنْهُمْ.
یقول العلامه القرطبی محمد بن عمر بن یوسف، الإمام الزاهد الخبیر بعلم القرائات وصاحب طبقات المفسرین وتفسیر الجامع لأحکام القرآن: مَحَبَّةُ اللهِ لِعِبَادِهِ إِنْعَامُهُ عَلَيْهِمْ بِالْغُفْرَانِ.
الإمام أبوحیان الأندلسی محمد بن یوسف بن علی بن حیان کبار العلماء في الأدب العربي والتفسیر والحدیث و اللغة وصاحب تفسیر البحر المحیط: مَحَبَّةُ اللَّهِ لَهُمْ تَوْفِيقُهُمْ لِلْإِيمَانِ وَإِثَابَتُهُ عَلَى ذٰلِكَ وَعَلَى سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَتَعْظِيمُ أِيَّاهُمْ، وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ: إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْعَبْدِ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ.
یقول أبو حامد الإمام محمد الغزالي محمد بن أحمد الطوسي الشافعي والفیلسوف الصوفي والعالم المفکر وصاحب إحیاء علوم الدین وتهافت الفلاسفة والاقتصاد فی الاعتقاد:
مَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ تَقْرِيبٌ مِنْ نَفْسِهِ بِدَفْعِ الشَّوَاغِلِ وَالْمَعَاصِي، وَتَطْهِيرُ بَاطِنِهِ مِنْ كَدُورَاتِ الدُّنْيَا، وَرَفْعُ الْحِجَابِ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يُشَاهِدَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ بِقَلْبِهِ.
امّا بخصوص محبة العباده لربهم یقول الإمام فخر الدین الرازى: إِنَّ الْمَحَبَّةَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِرَادَةِ، فَإِذَا قُلْنَا نُحِبُّ اللَّهَ، فَمَعْنَاهُ: نُحِبُّ طَاعَةَ اللَّهِ وَخِدْمَتَهُ، أَوْ نُحِبُّ ثَوَابَهُ وَإِحْسَانَهُ.
وخلاصة آراء علماء الدين في محبة الله لعباده تتجلى في إرادته وعنايته بهدايتهم، وتوفیقهم للثبات على الصراط المستقيم، وإكرامهم وإحسانهم ورضاهم، وثنيهم عن ارتكاب المعاصي، وكذلك تیسیر الخیر وحسن العاقبة.
ولكن قال العرفاء في محبة العباد لربهم:
الْعَبْدُ يُحِبُّ اللَّهَ لِذَاتِهِ، أَمَّا مَحَبَّةُ خِدْمَتِهِ أَوْ حُبُّ ثَوَابِهِ، فَدَرَجَةٌ نَازِلَةٌ. إِنَّ اللَّذَّةَ مَحْبُوبَةٌ لِذَاتِهَا، وَالْكَمَالُ أَيْضًا مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ.
یقول شیخ الإسلام ابن تیمیة: فَالَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَجَمِيعُ مَشَايِخِ الدِّينِ وَأَئِمَّةُ التَّصَوُّفِ: أَنَّ اللَّهَ مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ مَحَبَّةً حَقِيقِيَّةً، بَلْ هِيَ أَكْمَلُ مَحَبَّةٍ، كَمَا قَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ.
وأخيراً، ففي أسباب جلب محبة الله، أكد الإمام ابن القيم رحمه الله على عشرة أسباب، وهي:
1- تلاوة القرآن الكريم وتدبره وفهمه وتطبيقه في الحياة على مقتضى مقصد الشارع الكريم.
2- التقرب إلى الله تعالى بأداء النوافل بعد الصلوات المفروضة والالتزام بالأخلاق الكريمة.
3- المواظبة على ذكر الله باللسان والقلب وفي أثناء العمل والنشاط.
4- إيثار ذكر الله ومحبته على سائر أمور الحياة.
5- السعي الدائم لرفع مستوى الفهم والمعرفة بأسماء الله وصفاته وأفعاله، مما يزيد المحبة.
6- التفكر والتدبر في نعم الله وفضله ورحمته بعباده وسائر الخلق، والالتفات إلى نعم الله الظاهرة والباطنة.
7- التواضع والخشوع أمام الرب الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، والسجود بخشوع أمام قدرته وجلاله.
8- الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله، لا سيما في الخلوات، والاستغفار والتوبة والإقلاع عن الخطأ والذنب.
9- معاشرة المحبين الصادقين والاستلهام من أخلاقهم وسلوكهم وأفعالهم في محبة الله.
10- السعي إلى الوفاء بالعهد مع الله، وتجنب كل فعل أو حركة أو قول يسبب البعد والانفصال بين القلب والخالق، الحرمان من محبة الرحمن الرحيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الآراء